بلقيس بغداد

تقادمَ الصَّرحُ يا بلقيسُ ، لا تلجي
حتى أُهَذِّبَهُ من حقبةِ الحَرَجِ !

أَحببتُ فيكِ قدوماً قبلَ موعدهِ
وثغْرَ وردٍ وقلباً غيرَ ذي عِوَجِ !

لكنَّ أَكثرَ ما أَحببتُ وَقفَتُنا
بين القواريرِ – عندَ الوهمِ – واللُّجَجِ

رأَيتُ عينَيكِ قنديلَينِ لحظتَها
سارا بروحيَ حتى آخرِ الفُجَجِ

ماذا رأَتْ بالشمسِ ، تعبدُها
وليسَ للشمسِ غير الدِّفءِ والوَهَجِ

حتى إذا هيض من أَنوارِكِ اقتربتْ
لم تدنُ منكِ بمعشارٍ من الغَنَجِ

بلقيسُ قد أَمِنتْ إِذْ آمنتْ سبأٌ
لكنَّ بغدادَ في منأىً عن الفرَجِ

للآنَ ما نقلتْ حقَّاً هداهدُها
ظلَّتْ مُكَبَّلةً بالهامشِ اللزجِ !

ماذا انتظرتِ فكم أَغرتْكِ من سفنٍ
وبحرُ عينيكِ لم يهدأْ ولم يهجِ

لو ابتسمتِ بربعِ القلبِ ما ركبتْ
أَوتارُ بغدادَ إلا لحنَ مُبْتَهجِ

لكنَّها تحتفي بالعازفينَ أَسىً
ومِهبطٍ ، نالَ فيها شأْنَ مُعتَرَجِ !

نُكرانَ عرشِكِ ، لا تنكيرَهُ قصدوا
وطارئُ العرشِ مرفوعٌ على الهَزَجِ

ما أكثرَ الحُزنَ ، يا بلقيسُ قد نَهَجَتْ
فيهِ المساءاتُ نَهْجاً غيرَ مُنْتَهَجِ

لا ترسليْ المالَ ! أَمَّتْنا الخيولُ ! فما
معنى الهدايا التي جاءتْ على سُرُجِ ؟!

بل عانقيني اتِّكاءً فالمياهُ مَضَتْ
إِذْ ساقُ دجلةَ بينَ الضَّغْفِ والعَرَجِ

لذاكَ لا تكشفي ساقَيكِ ، لا بللٌ !
فالنَّهْرُ جفَّ لحدِّ الرملِ والرَّهَجِ

لم يبقَ إِلَّاكِ معنىً للجمالِ بها
بما نَشَرْتِ على الدنيا من الأرَجِ

ظلمتِ نفسَكِ يا بلقيسُ ! حينَ

حَلَوتِ في ليالٍ ، لصبحٍ غيرِ مُنْبَلِجِ

لكنَّ أَكثرَ حلوٍ منكِ آلَمني
أَنْ كنتِ أَحلى بوجْهِ القاتلِ السَّمِجِ

أَخَذْتِ من شجرِ الليمونِ فتنتَهُ
فكانَ أَنْ ضَيَّعَتْها غفلةُ الهَمَجِ

فجئتُ أَرفعُها غُصْناً وفاكهةً
بخافقٍ ، بنسيمِ الشوقِ مُمْتَزِجِ

ما زلتُ أَرفعُها حتى غَدَتْ مَثَلاً
للصاعدينَ خَيالاً واهنَ الدَّرَجِ !

منهُ العفاريتُ ، قالتْ : إِنَّ قُدرَتَها ،
تعلو على الناسِ لا تعلو على المُهَجِ !

تبقى لنا الطَّيرُ يا بلقيسُ ، نهملُها
فأَمرُها بينَ أَهلِ العشقِ لم يرُجِ

إنْ كانت الطيرُ تهوى العَيشَ في خَرَسٍ
ما عُدَّ مَنطِقُها شيئاً من الحُجَجِ !

والطيرُ خرساءُ يا بلقيسُ ، أَفصحُها
يبدي بموتِ بلادٍ قولَ مُنزَعِجِ

فقبِّليني اَمامَ الطيرِ ، ليسَ لها
ما يستحي منهُ ما فينا من الهَوَجِ !

هزبر محمود

السيرة الأدبية والعلمية للشاعر: - الاسم: هِــزَبْـر مَـحْـمود عـلي - من مواليد مدينة ديالى/العراق -1973- - يسكن مدينة كركوك وفيها درس الإبتدائية والمتوسطة والإعدادية. - خريج كلية الهندسة / قسم الهندسة المدنية / جامعة الموصل عام 1998

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى