أنا .. والنخلة.. توأما أزل

 

تحت هذا العنوان أقوم بإحدى الحفريات، التي أمارسها في كتابة القصيدة، والبحث، والمقال، تنقيبا عموديا عن عمق المواضيع المتناولة، بدل الضياع في شتاتها الأفقي، الذي دأب عليه جل حملة القلم عندنا.

هنا أحفر-بالنيابة عن العرب خصوصا، وسكان الصحراء عموما- عن جذور هويتنا الراسخة المشتركة، المتواشجة -منذ الأزل- مع هوية النخيل، رسوخا وشموخا… فنحن ..والنخلة توأما أزل.

يَـــــرُوقُ.. لِـي .. أنْ أُغَـنِّـي- مُسْنِـدًا كَـتِـفِي-
شِـعْــري .. إلــى نَخْلَةٍ .. فـيْـنَـانَةِ السَّـعَـفِ
إنْ هَــفَّتِ الـــرِّيحُ -فــي أفْـنَـانِـها- هَـجَسَ الـ
إيقـاعُ.. مِلْءَ دَمِي.. نَـبْضًا.. عَلَى الصُّـحُفِ
فاسَّـــاقَـطَـتْ – رُطَبًا – أعْـذاقُ قـافـيةٍ
تَـنُـوءُ.. بالسّحْرِ .. يُــغْوِي كُـلَّ مُـكْـتَـشِـفِ

هُنَــا.. يُعـــانِـقُ ظِـلِّـي.. ظِـلّهَا.. أبَـدًا
ويــــزْدَهـي خَلَـفُ الأرْواحِ.. بـالسَّلَـفِ
تَـجُـوبُ ذِهْـنِي وُجُوهُ العــابِــرينَ .. بِـهَا
فَيَـــا لَـــمُـؤتَـلِـفٍ .. مِــنْـهـا.. و مُــخْـتَلِـفِ!
تَـنْــاى.. وتَــزْدَلِـفُ الأطْـيَـافُ.. فِي خَـلَـدِي
لَهْـفِـي .. لِمُـبْـتَـعِـدٍ .. مِـنْــهَـا.. و مُـــزْدَلِـفِ!
قَـــوافِلٌ.. مِنْ جُـدُودِي.. خَلَّفُوا.. عَبَقَ الـتّـ
ــا ريـــخ.. مَلْحَـمَــةَ الإبْـداعِ.. والشّـرَفِ
مَـرُّوا.. هُـنَـا.. واسْتَـظَـلُّــوا النَّـخْلَ.. هاجِــــرَةً
و اسْتَطْـعَـمُوهُ.. فأغْنَى كَـفَّ مُـقْـتَـطِـفِ

حَـتَّى إذا مــا تَـوَلَّى اليَوْمُ .. وانْتَــعَـتـشُـوا
بِمَا تَنَفَّسَ -فِـي الـواحَاتِ- مِنْ طُـرَفِ
و اجَّـلَّلُــوا القُبَّةَ.. الـــــزَّرْقَـاءَ .. زاهِـيةً
مِن النُّـجُــومِ .. بأبْــهَـى زُخْـرُفِ السُّـقُـفِ
فَــضُّـوا.. عَلَى النَّـخْـلِ.. مِنْ أثْـمَـارِ سامِـرِهِمْ
مَعَـارفَ الكَـوْن.. جَـلَّتْ رَوْعَـةُ التُّـحَــــفِ!
وأثْمَـلُـوهُ.. رَحِـيقَ الـشَّــاي .. مـازَجَـــهُ
مُعَـتَّــقُ الشِّـعْــرِ.. نَجْـوَى العَـاشِقِ.. الدَّنِـفِ
وحَرَّكُـوا الـوَجْـدَ.. فِـي أعْـتَـى عَـراجِــنِهِ
بِأنَّــــةِ المُـخْبِـتِ.. الأَوَّاهِ.. فــي السُّـدَفِ!

لَهْـفِـي.. عَلَى زارِعِي الصَّحْراء.. مُــعْجِـزَةً
حَـتَّـى غَـدَا الرَّمْـلَ- عِلْمًا- لُــؤْلُــؤَ الصّدَفِ
تَحَـلَّلُـوا.. فِــــي سَحِــيـقِ الدَّهْـرِ.. وارْتَـهَـنَـتْ
أرْواحُهمْ.. فِـــي عُــرُوقِ النَّخْــلِ.. مِنْ شَغَفِ
بَــــادُوا.. ولمْ يَـبْـقَ إلاَّ إرْث سَيْـبَـــتِـهِمْ
مَا أثـقَـلَ الإرْثَ.. مَحْمُـولاً.. عَلَى كَـتِـفِي!

هَـلْ عَـمَّـتِي.. النَّخْلَةَ.. الغَـنَّـاءُ.. تُــوسِعُ.. لِي
مِنْ حِـضْـنِـهَا.. كَـنَـفًا..؟ وَا رَحْـمَـةَ الكَـنَـفِ!
أُلْـقِـي.. عَلَى جِذْعِـها -عَـنْ كَـاهِلِـي- حَـزَنِي
إذا خَلَـصْــنَا.. نَجِـيًا .. ضَــجَّ كُـلُّ خَـفِ
رُوحَانِ.. عِشْـنَـا.. قُرونًا.. تَـوْأَمَـيْ أزَلِ
وسـوْفَ نَـبْـقَــى.. عِنـاقَ الــلاَّمِ.. للألِـفِ
قَـدْ أرْضَعَـتْـنِـيَ عِـشْـقَ الأرْضِ .. رَاسـخَةً
وألْـهَمَــتْـنِـي شُــمُــوخَ العِــزِّ.. والأنَـفِ
وأقْـرَأتْـنِـــي أسـاطـيـــرَ الصُّـمُــودِ.. عَــلى
رَيْـبِ الــزَّمَـانِ.. وقَحْـطِ الأرْضِ.. والشَّـظَّـفِ!

تاللهِ.. يـا مُــدُنَ الطِّـيـنِ.. الـتـي ازْدَحَـمَتْ
بالجِــنِّ.. تَلْـهَـثُ خَـلْـفَ الطـيـن.. والـعَـلَفِ
قـدْ ضِقْتُ.. ذَرْعًا.. بِكِ .. الدُّنْـيَا.. هُنَا.. نَكَـدٌ
طـــاحُـونَـةٌ.. تَسْحَـقٌ الأعْـمـارَ.. لَــمْ تَقِـفِ
فَلْـتُـعْطِـني .. أُمَّــنَا الصَّحْـراءَ.. مُرْتَفَــقًا
أعِـشْ.. غِنَى مَلَـكُوتِ الله .. فـي تَــرَفِ
أصْغِي.. إلى النَّاي.. صَوْتِ الكَوْنِ.. إنْ نفخَتْ
ثُقُـــــوبُ شَبَّــــــابَةِ الأرْواح .. يَـنْعَـزِفِ
وإنْ تَنَفَّسَ.. صُبْحٌ .. هَـلَّلَـتْ رِئـتِـــي:
بَشائرَ النُّـورِ.. والأنْسَام .. يَـا لَهَـفِي!
صُـبِّي.. مِـنَ الـمَلإ الأعْـلَى .. سَكِيـنَـتَـهُ
يَجْلُ الـهَـنَا قَـلَقِـي .. يَنْفِ الرِّضـا أسَــفِي
أَفِــــرُّ.. مِـنْ مُـدُنِ الأبْـراجِ .. مُخْــتَـــنِــقا
أَعُـوذُ.. بالواحةِ الغَـنَّاء.. مِـنْ قَـرَفِ

يـا أخْــتَ آدَمَ .. يــا رَمْــــزَ الهُـــوية.. لِــي
كُــلُّ ابْـنِ آدمَ – إلاَّ نَـحْـنُ – غَـــيْـر وَفِ
فنَحْنُ.. والنَّـخْلُ.. والصَّحْـرا.. سَفـائـنُها
والشِّـعْـرُ.. والنُّـبْـلُ.. حِلْفٌ.. جِدُّ مُـــؤْتَـلِفِ
كُـنَّا.. ونَبْـقَى.. رِفــاقَ الـدَّرْبِ.. فِـي أبَـــــدٍ
بِحُـبِّـنَا السَّـرْمَـدِي.. نَسْـعَى.. إلَى الهدَفِ

آوِي.. إلـيْـكِ.. فَضُخّي السِّرَّ.. مِلْءَ دَمِــــي
يا باطِـنَ الـرُّوحِ.. جَوْهِرْ ظـــــــاهِرَ الخَــزَفِ
يــا عَمَّـتِــي .. النَّخْلَةَ الغَـنَّـاءَ.. مُلْـهِـــمَتِي
إنِّي اعْـتَـرَفْتُ .. بِحُــبِّــي الآنَ .. فاعْـتَرفِي

 

أدي ولد آدب

أدي ولد آدب شاعر وباحث ومدرس وكاتب صحفي من موريتانيا ولد عام ١٩٦٤ . يعتبر أحد المؤسسين لبيت الشعر في موريتانيا . حاصل على المرتبة الأولى في جائزة الإبداع الأدبي بجامعة محمد الخامس في المغرب والمرتبة الأولى في مسابقة المهرجان الدولي للشعر والزجل في الرباط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى