الخندق الثاني

هاتِ المَـــعاولَ نَفْلِقْ صخرةَ النَّكَد
عـــنْ سَلْسَلِ الخيرِ يَجري دائمَ الأبد
نَــشْفي به منْ غَليل الرُّوحِ هائـمَه
عَــــهدَ النبي وسلمانٍ لدى أُحُد
إذْ نـحنُ لم تَلتبس بالغيِّ أنْــجمُنا
فلَمْ نُــغيِّرْ ولم نَنقُص ولم نَزدِ
عفوًا أبا القاســمِ الحَـنانَ كان لنا
عـهدٌ لديكَ أخذناه يَدًا بِيَد
فما رَعَيْنا حِماهُ حـقَّ رِعْــيَته
فكان ما كان من حُـزن ومن كَــمَد
كنا طـرائقَ في أهـوائنا قِددًا
لو أننا نــهتدي في طُرْقنا القدد
فـلْيغفرِ اللهُ ولْــتغسل مــدامعُنا
عــهدَ الإخاءِ الذي غَنَّى ولم يعُد
ها نحن هُدنا بأشواقٍ ومَـرحَمةٍ
يا ربِّ عـفوكَ من ماءٍ ومن بَرَد
نَيْفًا وألفًا من الأعــوام ينشُدنا
عـهدَ المحبةِ صوتٌ ليس بالفَنَد
سلمان منا وإنا منه وانتسجت
ذاتُ الوشائجِ من روحٍ ومــن جسد
بقيةُ الله مما ظلَّ يرفـعُه
فينا بلالٌ علينا عالِيَ السـَّـنَد
إذْ قام يُسنِدهُ الفـاروقُ عن ثــقةٍ
منا له بمــقامِ الفـارسِ النـَّـجُد
مُــخَندِقِين بحمدِ الله يأمرُنا
خــيرُ الورى من يديْ سلمانَ بالرَّشَد
وإذْ يُشــيرُ أبُو الأحـرازِ يومئذ
على النبي بذاك الخندق العتيد
فهلْ على العهدِ قُمنا في حِــمايةِ م
كِدنا على الدهــرِ نَحْميه ولم نَكَد
ضاعتْ خيوطُ زمانِ الوصلِ واحترقتْ
بــينَ الأحبةِ في بالٍ من العُقَد
لا الليلُ مـستودَعٌ من بعدِ أندلسٍ
سرا ولا الصبح مأمون عللا أحد
هذي الجبال من الاحزان اخر ما
يَبقى من الشمسِ في وَحْشٍ من الجُدَد
كأنها حـينَ تـعلو وهي راجفةٌ
شُدَّت بحبلٍ إلى الآصال مــن مَسَد
لم يبــقَ إلا نــجومُ الليل باردة
كأنها لم تلح شوقا ولم تجد
لو أنَّ كلَّ بــحارِ الـكونِ جائشةً
مِدادُ هذا الـجَوى لم تَشْفِ من مَدَد
مآذنُ القـدسِ تهــوي وهْـيَ باكيَةٌ
تدعو رُفاتَ صـلاحِ الدِّين ذي العَمَد
يا عارَ ما قد صَــمَمْنا عن إجابـتها
ولــيس من نقصِ أعدادٍ ولا عُدَد
وذاتَ يومٍ أجَـبْنَاها بــطَلعتِه
فهلْ نُـجيبُ نِداءَ القدسِ ذاتَ غد؟
وهــل نُريحُ إلى الأوْكارِ طائِـرَها
سَقيًا لـعهدِ زمانِ الطائرِ الغَرِد
أيامَ كان دَمُ الإخـلاصِ في دَمِـنا
يَغلِي برِقْبَةِ أمـرِ الواحد الصَّمَد
إذْ لم تزلْ صَحوةُ الإنصافِ في دَمِـنا
تجلوا الغياهب من غل ومن حسد
حَضارةٌ لم تَـرَ الدنيا لها مَـثلاً
ولـن تَراهُ وإن طالتْ يَــدُ الأمَدِ
للحِسِّ في جَـنَبَاتِ الرُّوح شاهِدُه
فــيها فيهتزُّ مَيَّادًا من الغَــيَدِ
تـَـروقُ ذَا العقلِ فيها آدَمِيَّتُهُ
حرًّا بـقِسطاسِ شَوقٍ غيرِ ذي أَوَد
لا يُـبْعدِ اللهُ أيامًا لنا سَلفتْ
بالشـوقِ والتوْق والإيثارِ والجَلد
مَـــرَّتْ فلم يَبْقَ إلا لوعةٌ تَركَت
بالقـلب منها- على الأيام – والكَبِد
هيَ العواصفُ من صَرْفِ الزمان بنا
فمَنْ لـخفْقِ خِباء الناس بالوَتِد؟
هاتوا الأكفَّ إلى العلياءِ نَحْــتشد
مــن قلعةِ العزِّ ذاتِ الثاقبِ الرَّصَدِ
في لمحِ حِطينَ نُعليها مـــزَلْزِلَةً
يا أهْــلَ غَزَّةَ إنا خيرُ مُلتَحَــد
لا نُسْلمُ الأهلَ مهما جلَّ شاغِــلُنا
لا والذي خـلق الإنسانَ في كَـــبَد
مُستمسِكينَ بوُثْـقَى لا انـفصامَ لـها
وَجْدًا بعـهدِ رسول الله ذي العضُد
وأهلُ غزةَ إذ يدعون ربــهم
والناس مــن لِبَدٍ حِقدًا على لِبَدِ
هل كان غيرُ نداءِ الله يـَعصِمُنا
لا والدًا ثَمَّ – لولا اللهُ – للـولد
فلْيشْمَلِ اللهُ مَسْعانا برحـمته
ولْتَـنْسَمِل أعينُ النُّـكَّاثِ بالـرَّمَد