النهر النبي

كان غيماً ، وقِيلَ : وحي
قِيْل : منهُ هذا الهواءُ اقتراحُ
علّقْته خرائطُ اللهِ في
الآفاقِ حتى تنفّسَتْه الرياحُ
كشَفَ الطينُ وجهَهُ
فاستدارتْ لهُ المرايا الجِرَاحُ
قرأتْهُ ولم تكنْ تعلمُ أنْ
المجيءَ المحالَ منهُ ، رواحُ
يتجلّى كالذكرياتِ غريباً
وهو – وسعَ الحياةِ- روحٌ وراحُ
يْبلغُ الوحيَ في النبوةِ
مثْلمَا تبلغُ الوصايا الصِّحاحُ
وقديماً آوى إِليه البرايا
وتغذّتْ بنبضهِ الأرواح ُ
حينَ كان الهبوطُ وهو جنين
يتبّدى وللمرايا افتضاحُ
آنسَ النورَ في البسيطة ناراً
فجَرتْ في أكفّهِ الألواح ُ
كّلما غيَّبَ الترابُ خطاه
وأقامتْ أصنامها الأشباحُ
أيقظَ اللهُ حبَّهُ
مثلما يوقظُ الليالي الصَّباحُ
منذ أن أنْبَت الترابُ هواه
وتولّى أحلامَه الفلاحُ
كشَفَ النَّهرُ عن حديثٍ نبيٍّ
فرأينا ما لم يرَ الشُّراحُ
قال يعقوبُ للمرايا كثيراً :
يوسفي أيّها الغيومُ القُراحُ
أسْعفِ النهرَ بالمحبةِ ناساً
إنما الحبُّ للغيومِ افتتاحُ
إنه يَلْحَقُ الذينَ تفانوا
في خطاها وبالمنايا استراحوا
أنت فلاحُهُ الجميلُ ابتكاراً
لُحْ إليهم مستقبلاً حيثُ لاحوا
يونسُ الغيمِ كانَ نهراً قصيّاً
كان فلاحَهُ الذي لا يُزَاحُ
أنسَ البحرُ صوته فتدلّى
قابَ قوسيهِ وهو بعدُ جُمَاحُ
وتولّى غيابة البحرِ جُبٌّ
مثلما يقرأ الأسى الجرَّاحُ
قيل عنه : ذا النون ربٌّ صبورٌ
قيل أيضا : في الميتةِ الإصلاحُ
كان موسى صديقه ذات موتٍ
حينما جفّ في الرؤى المصباحُ
غَرَس الوحيَ موقنا أنْ سيجري
بعدَ حينٍ في ضفَّتيهِ الفلاح ُ
ثم لما تنفّس القلبُ منه
ذات نـبعٍ ، من غيـمةٍ ترتاحُ
ثم لما ، تفجَّر البحرُ ، لما
انبجسَ الطينُ ، لما استراحوا
ثمَّ لما ، وثمَّ لما ، وكثيرٌ
في سماواتِ وحيْهِ الإجتراحُ
صـــالحَ الخــضْــرَ نهرُهُ الأزليُّ
الصــعبُ حباً ليســـتقيلَ النُّـواحُ
و هـــــو فــــلاحُه الكثـــــيرُ المــرايا
الـــدائمُ الســرمديُّ اللا يتاحُ
هو معنى النهرِ الكثيرِ العطايا
هو معنى : أن الصباحَ اصطباحُ
هو يســـقي لمن أتاحوا خطـــاهم
ورؤاهــم للمــاءِ في ما أتــاحوا
كان عيسى فلاحهَ ثم فاضت
بمراياه للسما الأفراحُ
كان يأويهِ إنْ أحلّ ولكنْ
كان للطينِ في الرؤى يَنْزاحُ
وهو في النار من خطاه
وغيوم وساحلٌ وجناحُ
في العشاء الأخير كان وصايا
وهي للآن يقتنيها الكفاحُ
كان طه فلاحَهُ مذ أتمَّت
بين كفيه غِرسهَا الأرباحُ
و توضَّا به الدخانُ مياهاً
فإذا النخلُ والغيومُ الفصاحُ
تقرأ الأرضَ موجة ً إثر
والسمواتُ وجْههُ الوضَّاحُ
وبهِ يمسكُ النهارُ بنوهُ
وبه يمسكُ القلوبَ انشراحُ
فإذا استلتِ الخطايا وجوهاً
وتغنّى بالطامعين السلاحُ
ظَهَرت أمّةُ الغيومِ العطاشى
والسماء التي سقتها الرماحُ
خَلَفٌ ضَيّعَ المآذن عمداً
ضيّعتها في الأمة الأشْــباحُ
يســأل النــهر عن بنيه الذين
اقتــرحوا غيمة السماء وفاحـــوا
قال فيهم : إن الحســــين صديقــي
و أبي والمؤذن المــــلاحُ
إنـه يـقـظة الــوجوه : المـــرايا
رحـلـة الله ، والغـــد اللــواحُ
يجْمعُ النهرُ في السـلالِ يغذّي
الصمْتَ في البوحِ صوتهُ الفتّاحُ
ليعودَ النهرُ الأخــيرُ غيوماً
مرة أخرى والمســـتحيلُ المتـــاحُ