الآتي الأخير

نبا من وراء ِ السّهد ِ بوحا ً معطّلا
وأرخى على عينيهِ حلماً مؤجَلا
وأجرى على خديه ِ آثارَ عبرة ٍ
من الزَّمن ِ المبحوح ِ فانثالَ جدوَلا
نضَا ما تبقَّى من جراحاتِ أمسِهِ
على سلَّم ِ النّسيان ِ يوماً فعوَلا
هو اليتمُ والعمرُ العقيمُ وأرضُهُ
خراب ٌ وإنْ عادَ الرَّبيعُ وأثَّلا
هو الجوعُ والأوجاعُ والدّمعةُ ُ التي
تلألأ في عينيه ِ أنّى تحوَلا
هو الشَّيبُ يلظى في الجبين ِ اصفرارُهُ
وآخرُ هذا العمر ِ قد جاءَ اوَّلا
ولمّا نضا ما كان يُدمي فؤادَهُ
وهمّ إلى لمِّ الجراح ِ وعجَّلا
رأى كلَّ غرس ٍأخضر ٍ ناحلا ً ظما
وتلكَ الرّبوعَ الخضرَ قد صرنَ معقِلا
رأى أنه الآتي الأخيرَ لبيتهِ
وإنْ لم يكنْ بيتاً فقد كان موئلا
رأى الجندَ قد عاثوا فساداً بأرضهِ
ولم يكُ من مأوىً إليه لينزلا
فنهبٌ وسلبٌ واقتتال ٌوفتنةٌ
وذا لاعنٌ بعضا ًوبعضٌ تنصّلا
كأن لم نكنْ من رحم ِأمّ كريمة ٍ
ولسنا بني ذاك َ الزّمان ِ وإن خلا
فيا وطناً لا الأرضُ تُمسكُ ريحَهُ
ولا أفقهُ العالي يرومُ التَّحولا
عراقُ الأيامى واليتامى تقرَّحتْ
بكَ الدَّامياتُ السُّودُ وازْددنَ مقتلا
وأبناءُ عمّي ينظرونَ بعين ِ مَنْ
تهاوى عليه الحملُ فاختارَ معزلا
قمْ اكشفْ خمارَ الشّمسِ قد طالُ نومُها
على الشّكِ ظنّاً أنّ للشّكِ منزلا
إلامَ تدوسُ المستحيلَ بساقهِ
وتغرس في حقلِ الصّباباتِ مَرْجِلا؟
أآثرتَ شربَ الصّمتِ في عقرِ كأسهِ
مخافة َ أن يرمي بك الظّنُّ مقتلا
ضياؤك يُغري الشّمسَ أن تستردّهُ
وخيلُك تُغري الرّيحَ أن تتحولا
أنا بعضُك المنثورُ في طرق ِ الرَّدى
أصيحُ التَقِطْني لا تذرني معطّلا
أنا الكِبْرُ في أحشاءِ أرض ٍ عقيمة ٍ
سوى أنَّ لي فيها رحيلا ًمؤجّلا
ألمُّ انتظاري من وعود ٍ كثيرةٍ
وألْقَى على تلِّ الوعودِ مجندلا
دمي ناهض ٌ في كلِّ سيفٍ وإخوتي
يظنّون موتي ليس إلا تسوّلا
مشيتُ على أحداق ِ جرحي معبأً
بألفِ غدٍ والأمسِ ما زالَ مُقبلا
على كلِّ سرج ٍ دمعة ٌ وابتسامة ٌ
وبينهما أسرجتَ دمعَي للصّلا
كأنّي شراع ٌفرَّ من سهم ِ ريحِهِ
ليبقى بأغلال ِ الوراء ِ مكبّلا
قبَرتُ اعترافي طيّ حفنة ِأدمعي
ولم أبكِ إلا أنّ دمعي تقوّلا